March 28, 2014
بقلم / أحمد عمر شيخ
ظلت الجبهة الشعبيَّة لتحريرِ إرتريا ومنذ نشوئها إطاراً فاعلاً أسهمَ بدورٍ كبيرٍ في تشكيلِ البنيةِ الثقافيَّةِ الإرتريَّةِ في مختلفِ تجلياتِها ورؤاها ، حيث انتهجتْ استراتيجية تعتمدُ على أرضيةٍ راسخةٍ من تفاعل النسيجِ الاجتماعي والثقافي للمجاميعِ الإرتريَّةِ التسعْ ( حدارب/ تغري/ تغرينة / ساهو / عفر/ نارا/ رشايدة/ بلين / كوناما) .
تمَّ ذلك وفق منظومة من التناغم والاندماج المدهش والقوي عبر مراحل النضال والثورة الإرتريَّة.
بدأت الجبهة الشعبيَّة وبالتوازي مع معركة التحرير بتكريس الفنون ، مستلهمة الوقائع الثقافيَّة لمختلفِ المجموعاتِ العرقيَّة الإرتريَّة , بما يعمل على تجييش المشاعر الوطنيَّة ، ويمكن معه الانطلاق مِنْ خصوبة التنوُّع والتعدُّد في جوانبِ الثقافة / الثقافات الإرتريَّة.
عملتْ الجبهةِ الشعبيَّة بدأبٍ ظاهرٍ على إبرازِ خصائصِ هذه الثقافة/ الثقافات ، والمحافظة على تميّزها بما يقولب الهويَّة الإرترية ويبلوّرها بشكلٍ جلي خلال سنوات النضال ، وكانت الانتصاراتُ تتوالى في أرضِ المعركة إلى جانبِ ازدهار ونمو الثقافة / الثقافات الحثيث ، حيث غدت الثقافة / الثقافات كإسمنت للتلاحم الوطني عبر ميثاقٍ واضحٍ متينٍ ، وذلك مِنْ خلال الفرق الفنيَّة للألوية العسكريَّة والتنظيم، لتلعب هذه الفِرَقُ دورها الطليعي في غرسِ مفهوم الوطن ووضعه في إطار صورةٍ نقيَّة ، بدءاً بالغناء الذي قام بالدور الأهمّ في تجسيدِ الثقافاتِ / اللغاتِ الوطنيَّة بما دفع بآلاف الشباب/ الشابات إلى الالتحاق بالثورةِ الإرتريَّة والانخراط في سجلِ النضال لإنجاز معنى الوطن والانعتاق المُرتجى حينذاك ، والعمل على تقديم وجوه التعدُّد الثريَّة بصورةٍ واقعيَّة تنبضُ بالحياة , وعبر الدراما أيضاً التي برزت – ربما أكثر- بلغتي ( التغري/ التغرينَّة) في زمن معارك التحرير ، وعبر المهرجانات التي تنتنظم هنا وهناك ، ومِنْ أبرزها مهرجان (بولونيا- إيطاليا) الذي استطاع إبراز جوانب اللوحة الأخرى ( تشكيل – تصوير- مشغولات يدوية – نمط العيش – مسكن – ملبس – مأكل – مشرب – سلوك ) , وربما نلاحظ أنَّ تجمعات الإرتريين في المهجر ومنذ زمن الثورة إلى الآن أشبه بموزاييك فريد ، حيث يندر أنْ نشاهد مثل هذه التجمعات الثقافية لدى جاليات أُخَرْ ، وبذات الزخم الذي نراه لدى الإرتريين في كلِّ أصقاع الأرض.
استطاعتْ الجبهة الشعبيَّة أنْ تنقل ذلك الإرث من التداخل والتعدُّد الثقافي إلى واقع الدولة الإرتريَّة ، وهي تعملُ منذ ثلاثة وعشرين عاماً على بذل الجهد والمضي بالاستراتيجيَّة الثقافيَّة إلى أقصى مداها ، حيث بدأتْ فرقٌ فنيَّة جديدة تظهر في الساحة وعلى رأسها غداة التحرير فرقة الفنون الشعبيَّة ( سبّريتْ- التراث) والتي تعرض للفلكور الإرتري على ثرائِهِ وغناه ، حيث قدمتْ هذه الفرقة عروضها الأولى في العام 1996 ، بعد عامين مِنْ إنشائها في العام1994، تلتها فرقة ( عبوتْ – تطوُّرْ) بلغةِ الـ(التّغري) التي قدَّمتْ ومازالتْ أبرز الأعمال الفنيَّة الناجحة ضامة أجيال عملتْ عبر التواصل مع أجيال سبقتها على مواصلة المسيرة بمثابرة ودون كلل ، وذلك على الرغم مِنْ ظروف الحرب الحدوديَّة ( إرتريا- إثيوبيا) التي أنهكتْ الإقتصاد الإرتري وأثرتْ بلا أدنى شك في المنتج الثقافي سلباً وإيجاباً ، مشكلة بدورها لوحة فنيَّة / ثقافيَّة من التصدِّي والدفاع عن السيادة عبر مختلف ضروب الإبداع .
وجاءتْ كذلك فرقة ( روبراتْ – قوسُ قزح) بلغةِ الـ(ساهو) لتضحي إضافة نوعيَّة وهي تقدِّم أعمالاً دراميَّة وغنائيَّة مميَّزة تنهل مِنْ ثقافة الساهو العريقة .
فرقٌ فنيَّة أخرى برزتْ في السنوات القليلة الماضية عبر جهود لفناني ( الحدارب/ النارا/ البلين … إلى أخره ) وبدعمٍ لاينقطع مِنْ ( الشؤون الثقافيَّة – الجبهةِ الشعبيَّة للديمقراطية والعدالة ) ، بما سيقود حتماً إلى تطورٍ واضح ونماء لهذه الثقافات عبر تراكم المكتوب والأعمال الفنيَّة والتقييم والنقد الدقيق والواعي لهذه الأعمال ، وسيؤدي ذلك إلى تطبيق الإستراتيجية الثقافيَّة على أكمل وجه .
إنَّ تضييق جوانب القصور والأخطاء في الممارسات والإنتاج الثقافي، وتشجيع ودعم الكتابة والفنون الإرترية المنطلقة مِنْ بيئتها المحليَّة والمستفيدة من التراكم الإبداعي للبشريَّة، سيعرض الوجه الحقيقي والمشرق لإرتريا كما يرجو الحادبون ، وهو ما سيؤدِّي بدوره إلى إستكمال البناء الثقافي الإرتري المتجذر في واقعه والمنطلق إلى فضاء الثقافات العالمية الأرحبْ .