March 21, 2014
بمناسبة احتفاء الوطن بالعيد الثلاثين لسقوط جبهة شمال شرق الساحل ” اوقاو إز ” في 21 مارس 1984 ننشر حوار معمق مع الجنرال فليبوس ولدي يوهنس. والجدير بالملاحظة ان الجيش الشعبي للجبهة الشعبية لتحرير ارتريا شن في ذلك التاريخ هجوما كاسحا ضد قوات الاحتلال الاثيوبية المرابطة حينداك في شمال شرق الساحل والمعروفة بـجبهة ” وقاو إز ” فحطم تلك الجبهة العسكرية الاثيوبية مخلفا حوله العديد من القتلى والاسرى، واستولى على كميات كبيرة من الاسلحة الثقيلة والخفيفة. وهذه المعركة شكلت منعطفا تاريخيا في مسيرة الثورة الارترية، لكونها جسدت اول معركة هجومية كبيرة يخوضها الجيش الشعبي الارتري بعد الانسحاب الاستراتيجي ومعارك الاستنزاف التي استغرقت خمس سنوات كاملة.
اجرى الحوار: محمود عبد الله
مرت الثورة الارترية بالعديد من حلقات الكر والفر إبان سنوات الكفاح المسلح التي امتدت لثلاثين عاما تخللتها معارك ضارية وحروب شرسة بين قوتين غير متكافئتين من حيث العدة والعتاد لاسيما مع انحياز القوى الكبرى في العالم آنذاك الى صالح العدو الاثيوبي ومده له بكل مايحتاجه من مال وخبراء وسلاح ,ففي خضم تلك الاحداث حقق الثوار العديد من البطولات التي يقف لها التاريخ اجلالا واكباراً ليثبتوا للعالم اجمع بان الحقوق لايمكنها ان تضيع مادام هنالك اناس اوفياء يطالبون بها ويضحون من اجلها بكل مايملكون. فمنذ انطلاق الثورة الارترية في العام 1961 وتحرير معظم المدن والقرى على امتداد الوطن ومن ثم الانسحاب الاستراتيجي الى القواعد الخلفية في الساحل والتصدي للحملات العسكرية المتتالية التي شنها العدو بهدف القضاء على الثورة مستفيدا من الدعم الخارجي ، وبدء العد التنازلي للعدو بسبب الضربات الموجعة التي تلقاها من مقاتلي الجيش الشعبي وزحف الثوار مجددا الى العمق، استطاع المناضلون ان يدونوا بدمائهم الطاهرة في مسيرة نضال الشعب الارتري، اروع المواقف البطولية فضلاً عن اكتساب القيم الثورية التي ترسخت وصارت جزءاً من ثقافتهم اليومية . وتخليدا لذكرى تلك الملاحم ظلت الحكومة الارترية تولي احياء ذكريات ومحطات تلك المرحلة اهمية كبيرة حتى يتيح ذلك فرصة طيبة لتوريث التاريخ والقيم النضالية الى الاجيال الحديثة، وفي هذا السياق تجرى هذه الايام استعدادات كبيرة للاحتفال بالذكرى الثلاثين لتدمير جبهة شمال شرق الساحل في منطقة امهميمت باقليم شمال البحر الاحمر في الفترة من الواحد والعشرين وحتى الثالث والعشرين من مارس الحالي . للتعرف على بعض الملامح عند تلك العملية والظروف التي كانت سائدة بمنطقة الساحل آنذاك وغيرها من الموضوعات ذات الصلة كانت وسائل الاعلام المحلية قد التقت بالجنرال فليبوس ولديوهنس قائد القوات الهجومية الذي كان احد المشاركين في تلك الاحداث، فإلى مضابط الحوار:
ماهو الاسلوب الذي كانت تتبعه الجبهة الشعبية في ادارة الصراع مع العدو الاثيوبي في تلك الفترة؟
في البدء اود ان اقول ان الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا تعتمد على العلوم في دراسة الخرائط وطبيعة الاسلحة واستخداماتها، ولكن عند الدخول الى قلب المعركة فان العلوم وحدها لاتكفي لانجاز ماتنويه من انتصارات، وانما يتطلب الامر الاعتماد على المهارات والقدرات الذاتية لتقدير الامور والاوضاع العسكرية على ارض الواقع ومن ثم اتخاذ القرارات والتدابير اللازمة في اوانها دون التشبث بماهو مكتوب في الاوراق، وهذا في اعتقادي هو المبدأ الذي انتهجته الجبهة الشعبية في حربها ضد العدو، فالقوات المقاتلة بالجيش الشعبي لم تكن اسيرة للقرارات التي كانت تاتي اليها من الجهات العليا، بل كان لديها حرية دراسة الواقع واجراء التعديلات المطلوبة في الخطط العسكرية بما يحقق الانتصار، فقائد المجموعة او السرية كان له الحق في تعديل الخرائط والخطط التي تعطى اليه من الجهات العليا بالتشاور مع رفاقه لتحقيق الاهداف المرجوة، ومن الوجهة العسكرية فان القائد الناجح هو الذي يجيد دراسة الواقع على الارض وليس الذي يعتمد فقط على الخرائط والخطط التي يضعها المتخصصون، لان العدو اذا اكتشف او عرف بانك تعتمد على خارطة ما في تحركاتك العسكرية يمكن ان يضع الالغام وفقا لتلك الخريطة حتى يقضي عليك قبل مجابهته، لذا يتطلب الامر الاعتماد على المهارات والاستعداد لاي طارئ . وما اود ان اشير اليه هنا ان قوات الدرق كانت تعتمد في فترة الحملات العسكرية على خطط وخرائط ثابتة تم رسمها في اديس ابابا مرة واحدة من قبل الخبراء وهذا في اعتقادي ساهم في هزيمتهم وأدى الى هلاك العديد من قواتهم العسكرية التي لم تتمكن من انفاذها على ارض الواقع. فالخطط العسكرية لايمكنها النجاح الا باصطحاب المستجدات التي تطرأ قبيل او اثناء المعركة والجبهة الشعبية عبرتاريخها النضالي الطويل كانت تركز على المهارت اكثر من الخرائط العلمية. قادة المجاميع والسرايا كما اسلفت في الجبهة الشعبية كانت لديهم الصلاحية المطلقة للاستعاضة برايهم بدلاً من الخطط والتعليمات التي يتلقوها من قائد اللواء حسب الاوضاع التي تظهر على ارض الواقع دون العودة الى القائد، فالجبهة الشعبية ظلت طوال تاريخها النضالي تشجع على اتخاذ المبادرات، لانها تؤمن بان غياب الاستقلالية في العمل تقتل روح المبادرة وان عدم وجود المبادرة في العمل يعيق الابتكار وان غياب الابتكار لايتيح الفرصة للابداع .
ظل مسؤولو جبهة التحرير الارترية يتبعون نهج قيادة التنظيم من خارج الساحة بالاقامة في مدن خارج البلاد ” كسلا- القاهرة …الخ” ومن المعلوم ان هذا الاسلوب لايتيح الفرصة للاطلاع على الحقائق على ارض الواقع، ولكن في المقابل كانت قيادات قوات التحرير الشعبية تقاتل جنبا الى جنب مع مناضليها
وتستشهد في الصفوف الامامية ضاربة ارو ع الامثلة في التضحية والفداء، مارايك في هذا الامر وكيف تنظر اليه؟
كما قلت فان الكولونيل ابرا سرد نفس هذه الحقائق في كتابه قائلاً ان قادة المجاميع والسرايا في الجبهة الشعبية وفي حالة وقوع مواقعهم الحصينة تحت قبضة العدو لم يكونوا ينتظرون تلقي الاوامر من قياداتهم العليا حتي يقوموا بالرد او الهجوم المضاد، وانما كانوا يقاتلون بشراسة لاسترداد مواقعهم القتالية دون الرجوع الى القيادة العليا ,وهذه هذ الحقيقة التي جعلته يشيد بالقيادات الدنيا من مقاتلي الجيش الشعبي التي كانت مثالاً يحتذى بها في الابتكار والابداع.
ماهو تقييمك العلمي والعسكري لمعارك افشال الحملة السادسة التي خاضها الدرق بعقلية المنتصر دون ان يضع في الاعتبار امكانية هزيمته امام الثوار، وماهو التاثير الذي احدثته على صعيد الإنتصارات التي تلتها وكذا قوة الجيش الشعبي من حيث الاعداد والتنظيم وتجنيد الافراد الجدد وغيرها من الاصعدة النضالية فضلاً عن القدرة القتالية لمقاتلي الجيش الشعبي ، اضف الى ذلك كيف كانت الاوضاع المعيشية للمقاتل ومعنوياته انذاك في ظل الارتفاع العالي لدرجات حرارة تلك المناطق التي كانت تدور فيها المعارك لافشال مخططات العدو بالاضافة الى عمليات القصف العشوائي لطائرات العدو ومدفعيته الثقيلة؟
في المرحلة الاولى من معارك افشال الحملة السادسة والتي بدات في الثاني والعشرين من شهر نوفمبر لم تتمكن قواتنا من صد العدو كما ينبغي بسبب بعض الاخطاء التكتيكية كتاخر وصول الدبابات في موعدها وسوء تقدير المسافات التي ينبغي ان تستهدفها المدفعية وقدرة الدبابات للسير في الرمال وغيرها من العوامل التي ادت الى تقهقر قواتنا بكامل عتادها دون تعرضها للهزيمة بالمعنى المتعارف عليه ، حيث ان قيادة قوات الدرق نفسها في المعركة كانت ترسل رسائل الى الجهات العليا في المؤسسة العسكرية قائلة ” ان تقهقر قوات الجبهة الشعبية لم يكن بسبب ضعفها وانما بسبب خلل فني وهم سوف لا يتركوننا لامحالة ” وظلوا يطلبون الدعم من الجهات العليا لصد اي هجوم من قبلنا، ولقد ساهم ذلك في احباط معنويات جنودهم ، وبالفعل بعد تصحيح الاخطاء الفنية التي صاحبتنا في المحاولة الاولي قمنا بهجوم مضاد في التاسع عشر من شهر مارس وانتهي في الحادي والعشرين من نفس الشهر اي خلال 48 ساعة استطعنا ان ندحر الحملة السادسة التي استعد لها العدو قرابة عامين كاملين، لاسيما وانهم اخطأوا في تقديراتهم لسير المعركة حيث كانوا يتوقعون باننا سننسحب دون قتال ونتجه للسيطرتهم على مرسى تخلاي، طلبت منهم قيادتهم بعدم التحرك وهذا في اعتقادي اعطانا الفرصة لتفتيت الحملة السادسة بكاملها ودحرها بالقوة ومن ثم الزحف الى مرسى تخلاي في النهاية. لقد استطعنا في البداية من استعادة دفاعاتنا السابقة في بليقات وتوغلنا حتى “مريح” و”ماي جو” التي لم تكن بها في الحقيقة دفاعات دائمة بالنسبة لنا وانما كانت مواقع استولت عليها وحدات الاستطلاع عندما كان العدو يستعد لتسيير الحملة السادسة وبعد الاشتعال الحقيقي للمعركة هزمنا العدو وطاردنا قواته حتى منطقة “اوقت” ومنها اتجهنا الى مرسى تخلاي واحكمنا سيطرتنا عليها حيث حاول الدرق تهريب بعض عتاده العسكري المهم ك 130 , 122 بالسفن عبر البحر ، ومما يجدر ذكره ان المقاتلين الذين كانوا يعسكرون في تلك المنطقة آنذاك هم اعضاء اللواء 44واللواء 23 ، اما العدو فكانت تتركز قوته في منطقة تسمي “ظلمات” تواجه منطقة بليقات مباشرة وهي عبارة عن قمة شديدة الارتفاع ومحاطة بهاويات شديدة الانحدار، فعندما بدات قواتنا في مهاجمتهم كان جنود العدو يتهاوون من القمة الى السفح متدحرجين قرابة 100 متر، واذكر ان اسم ايكروبات اطلق على هذه المنطقة في تلك الفترة، فعندما سال احد القادة الاثيوبيين لاحد مسؤولي الجيش عما يحدث من تساقط لقواته من القمة الى اسفل بفعل الاصابا المباشرة من فوهات بنادق الثوار رد عليه قائلاً “انه عرض للايكروبات”.هذه الاحداث وغيرها جعلت الكولونيل منقستو هيلي ماريام يقوم باقالة القائد ابرا في الفترة من 14-15 من شهر مارس مع بداية الحملة السادسة ليعين بدلا عنه الجنرال حسين الذ كان يعتقد بان منقستو سيقوم باعتقال ابرا بعد عودته الى اسمرا، ولكن وعلى عكس ما كان يتوقعه الجميع فقد استقبل ابرا بعد عودته اسمرا استقبال الابطال مثله مثل المحاربين الاثيوبيين الذين شاركوا في معركة دوقالي. وغدت وسائل الاعلام الاثيوبية تتحدث عنه كنموذج للبطل القومي، ولكن الحقيقة التي يجب ان يعرفها الجميع ان المرحلة الاولى من الحملة السادسة تسببت في طرد ابرا من جبهة شمال شرق الساحل .عندما احس الجنرال حسين بعد فترة من تعيينه قائدا لجبهة شمال شرق الساحل بصعوبة اقتحام بليقات قامت قواته بمهاجمة قمة ” ارعى” والاستيلاء عليها، وهذه القمة كانت عالية الارتفاع وكان بإمكان العدو ان يؤذينا اذا واصل البقاء فيها لاسيما وانها قمة شديدة الانحدار ويصعب صعودها وبالتالي بدانا نفكر في كيفية دحره منها وبالفعل استطاع قلة من المقاتلين التابعين لوحدات الاستطلاع من التسلل الى القمة والإستيلاء عليها في عملية بطولية نادرة جداً، ونزلت قوات العدو الى منطقة قطان التي واجهتها نيران قواتنا ، ومنها عادت قوات العدو عبر السهول الى منطقة قرات ولكننا قمنا بمد قواتنا ناحية اليمين واستعنا بكتيبتين من اللواء 23 واللواء 31 وبعد قتال عنيف استطعنا ان ندحرهم من القمة الى السهول لنواصل مطاردتنا لهم ونخوض معارك ضارية في منطقة نارو وابر. ونظرا لاتساع الجبهة تم مدنا بوحدات مقاتلة من اللواء71 التي كانت تتواجد في منطقة نقفه مما ساعدنا ذلك في هزيمة العدو بتلك السهول الممتدة ، وفي تلك الفترة التي شهدت اندحار قوات الدرق في الساحل الشمالي، قام العدو بتجميع بقايا جيشه في منطقة دبعت متسلحة باحدث انواع الاسلحة، وفي هذه البقعة دارت معارك ضارية استمرت بلاتوقف طوال شهر ابريل ومايو وحتى العشرين من يونيو في ظل عدم وجود دفاعات دائمة وحرارة الطقس التي كانت تصل الى 28- 29 درجة مئوية وفيها خسر العدو اعداد كبيرة من قواته تفوق حد الوصف حيث قدرت في الويته العسكرية، فضلاً عن فقدان كل لواء على حدا حوالى 200 الى 300 جندي من قواته . وبشكل عام تعرض العدو في الحملة السادسة لخسائر كبيرة للغاية تفوق خسائرة المتتالية في ارتريا آنذاك. ولقد اثبت الانتصار الذي حققه الجيش الشعبي في الحملة السادسة للدرق والعالم اجمع قوة وقدرة الجبهة الشعبية في دحر العدو الاثيوبي وانزال الهزائم به مهما جمع من قوات وعتاد حربي . لقد ادي تدمير الحملة السادسة الى اضعاف قوة جيش العدو وتقارب ميزان القوى بينه وبين الجيش الشعبي فضلاً عن اكتساب الجيش الشعبي الخبرة في القتال على الارض المنبسطة والسهول واستخدام الاليات الثقيلة خاصة الدبابات في المعارك بشكل متقن. وبما ان لكل انتصار ثمن لابد من دفعه ، فاننا قدمنا عدد كبيرمن الابطال في معارك تدمير الحملة السادسة حيث كان عدد الشهداء في تلك المعارك الاكبر في سلسلة الحروب التي خاضها الجيش الشعبي لتحرير ارتريا. بعد تدمير الحملة السادسة عاد كل من اللواء 23 واللواء 44 الى الساحل بينما اتجه اللواء 34 الى المنطقة الخلفية وبقي اللواء الرابع في منطقة دبعت .
ان شرف تدمير الحملة السادسة لم يكن يقتصر على الألوية العسكرية التي ذكرتها، فقد شاركت فيها ايضا وحدات الاسلحة الثقيلة و الكادر والاستطلاع والامن ومستشفى الثورة المركزي، ووحدة العمليات الجراحية والمواصلات والامداد والوقود والفرق الفنية وغيرها من الوحدات والاقسام، فضلاً عن الجماهير التي لم تنفصل عن الوحدات المقاتلة في كل عمليات.
ثم ماذا بعد افشال الحملة السادسة؟
بعد افشال وصد الحملة السادسة بدا العدو يعد العدة في الخفاء لحملته السابعة التي اطلق عليها الحملة الصامته بغرض الثار من الهزيمة التي لحقت بقواته واظهار بانه لايزال يحافظ على قوته بالرغم من هبوط معنويات جنوده، وعلى ذات المنوال فشلت الحملة الصامتة كسابقاتها لتؤكد مجدداً قدرة الجبهة الشعبية على حسم المعركة، وتدني قدرات قوات العدو التي حاولت مباغتة الثوار عبر هذه الحملةو الا ام مصيرها كان الفشل ايضا كالحملات التي سبقتها .
ماهي التطورات التي تلت تدمير الحملة الصامته ؟
بعد انقشاع سحابة الحملة الصامتة بفضل تضحيات الثوار وانهيار معنويات جنود الدرق واقتناعهم بصعوية هزيمة الثورا قررت الجبهة الشعبية مواصلة عملياتها الهجومية حتى لايجد الدرق الفرصة لتدعيم ميزان قوته من خلال تجميع افراد جيشه المتهالك وتجنيد المزيد من الشباب المغرر بهم في مؤسسته العسكرية، وعليه فانه بعد افشال الحملة السابعة مباشرة قام الجيش الشعبي بالهجوم على مدينة تسني وغيرها من الجبهات لشغل العدو وزرع الرعب في دواخله وزعزعة وحدته الداخلية، وبالفعل بدات العديد من التحركات و مظاهر التذمر تظهر داخل المؤسسة العسكرية للعدو ولعلمنا بذلك قررنا مواصلة عملياتنا العسكرية لنصب الوقود في النار وتضعف قوة العدو وامكانياته. لقد تقلص عدد جنود الدرق بشكل كبير بعد الضربات الموجعة التي تلقوها في الحملة السادسة والصامتة، كما ان معنوياتهم كانت ضعيفة للغاية مقارنة بمعنويات افراد الجيش الشعبي، مما دفع الدرق للتركيز على استخدام الطائرات العمودية لضرب مواقع الثوار بدلا من قوات المشاة. ان العامل المعنوي للجيش يعد عاملاً حاسماً في تحقيق الانتصار الذي لايمكن تحقيقه فقط بكثرة القوات و العتاد الحربي فقط، وهذا ما حدث بالضبط حيث كان العدو اكثرمنا عدة وعتادا ولكنه انهزم لتفوقنا عليه بالمعنويات والاخلاص والتفاني من اجل القضية العادلة التي كنا نناضل من اجلها .
بعد معارك افشال الحملة السادسة والصامتة بدا الجيش الشعبي يبادر في خوض معارك ضارية وكبيرة مع قوات العدو كمعركة تدمير جبهة شمال شرق الساحل ” وقاو إز” ماهي الفوائد والخبرات التي اكتسبها الجيش الشعبي من معارك افشال تلك الحملات العسكرية ولماذا اتخذ خيار مهاجمة وتدمير جبهة شمال
شرق الساحل دون من غيرها من الجبهات ؟
استطاع الجيش الشعبي بعد معارك تدمير الحملة السادسة والحملة الصامته ان يكتسب الخبرات القتالية ويعزز ثقته في ادارة المعارك على السهول والاراضي المنبسطة ويتخلص من العقدة النفسية التي كانت تحول دون خوضه لمثل تلك المعارك، كما نظمت دورات تدريبة على قيادة الدبابات واستخدامها بشكل علمي، وتم استخدام كل هذه الخبرات في معارك وقاو إز التي استبسل فيها مقاتلوا الجيش الشعبي وتمكنوا من دحر قوات العدو وتشتيتها خلال 48 ساعة في الحادي والعشرين من مارس 1984م . ومن المعلوم ان البحارة قبل ان يتدربوا على استخدام السفن الحربية يقومون بتعلم السباحة وكيفية مقاومة الامواج وبعد ذلك ينتقلون الى استخدام السفن واجادة التعامل معها ونفس الشئ ينطبق على القوات البرية التي يجب ان تجيد التعامل مع الطبيعة الجغرافية للاراضي التي تقاتل فيها وكذا كيفية استخدام عتادها الحربي لتكون قادرة على القتال والانتصار على العدو وهذا ما اتاحته لنا معارك تدمير جبهة شمال شرق الساحل “وقاوإز” في المعارك التي تلتها مُشكِلةً نقطة تحول كبيرة في امكانيات الجيش الشعبي القتالية.
من المعلوم ان العديد من جنرالات العدو وجنودهم وقعوا في الاسر اثناء معارك وقاو إز كما ان العديد من الاسلحة تم الاستيلاء عليها، ياترى ماهى المكاسب والنجاحات التي تحققت في تلك المعارك ؟
ان الاسلحة التي استخدمناها في معركة بارنتو وتدمير جبهة نادو إز وحملة بحر نقاش وغيرها من المعارك هي التي تحصلنا عليها من تدمير وقاو إز، قبل ذلك لم يكن لدينا الاسلحة الثقيلة على سبيل المثال لم نكن نمتلك السلاح المدفعية من نوع 122 ، اذا استثنيا الإثنين اللذين استولينا عليهم في العام 1978م من منطقة دونقولوا فقد تحصلنا على هذا السلاح بكميات مقدرة من معارك تدمير وقاو از بالاضافة الى القنابل والدبابات، 15 منها بحالة جيدة، والمورترات والرشراشات والبيريناتوالسيارات والوقود والذخائر بانواعها المختلفة. وبشكل عام معركة وقاوز كانت نقطة تحول كبيرة في حصولنا على العتاد الحربي الذي زاد من قدراتنا القتالية.
من المعروف ان العدو الاثيوبي عاد بعد عام ونصف من تدمير وقاو از الى المواقع التي استولى عليها الجيش الشعبي في شمال شرق الساحل “اي في العاشر من شهر اكتوبر 1985م ” من خلال تسييره للحملة الثامنة التي كانت تعرف بحملة ” بحر نقاش ” ، فماهي الاسباب التي ادت الى عودة القوات الاثيوبية وماالتاثير الذي احدثه ذلك وماذا كان دور وحدات الجيش الشعبي في التصدي لتلك الاوضاع في تلك الفترة ؟
بدات الحملة الثامنة كما ذكرت في العاشر من اكتوبر العام 1985م ,لقد ظن العدو بعد انسحابنا من بارنتو بان قواتنا قد خارت وان معنويات جنودنا قد انهارت , وصادف انه وقع اتفاقاً للسلام مع الصومال ليدفع جنوده من تلك الجبهات الى بارنتو، ولدى انسحابنا من المدينة بصورة استراتيجيا، ربما اعتقد بانه قد توفرت لديه القوة الكافية لمقارعتنا ، واننا سوف لا نكون قادرين على الصمود في جبهات القتال الثلاث، وكذا فى نقفه وحلحل. وفي الحقيقة هنالك معلومات كانت ترد الينا تباعاً عن امكانية محاولة العدو للهجوم عبر حلحل وهبرو ونقفة وكنا نتوقع قيامه بعمل ما في شهر سبتمبر او اكتوبر. وهنالك تقديرات خاطئة كانت تقول لماذا لايفكر العدو في مهاجمة الساحل الشمالي وهي الاقرب بدلاً من هذه المناطق ونظرا للشكوك التي كانت تساورنا بشان نوايا العدو كنا قد قررنا ارسال كتيبة واحدة من اللواء 71 الى القواعد الخلفية والتي وصلت بالفعل الى امهميمت وفي خضم تلك الاحداث اجمعت الغالبية في اللحظات الاخيرة، بان هجوم العدو سيكون على نقفة لنبني استراتيجيتنا على هذا التقييم وبكل صراحة كانت هنالك بعض التناقضات في قراءة وتقييم تحركات العدو في اوساط قادة الجيش الشعبي ، ولكن في التاسع من شهر اكتوبر بدا واضحا ان العدو يتجه بكامل قواته صوب شمال شرق الساحل ، وكانت القوات التي تحت امرتي قد انسحبت الى منطقة قرقر، بينما انا كنت في مركز قيادة الفرقة بـ ” زاقر” ، وقد صادف في تلك الاثناء تأخر خروج قواتنا التي كانت تنتظر من يستبدلها في مواقع تواجدها حيث كان مقررا ان تاتي الى مواقعنا وحدات لواء ودي لبسو القادمة من نقفة، وبالفعل تحركت وحدات اللواء ولكن في الطريق عند منطقة حمد دبيلا انقلبت احدي سياراتهم التي كانت في المقدمة وهي تحمل عدد من الجنود لتقفل الطريق وتتسبب في تأخر وصول هذه القوات الينا في موعدها المحدد لانهم اضاعوا الوقت في اسعاف الجرحى وفتح الطريق حتى اصبح الصبح ، وبينما نحن في انتظار تلك القوات اخبرتنا في الصباح بعض وحداتنا المرابطة باتجاه قرات بانها قد سمعت اصوات الدبابات وهي تتجه ناحية الشمال، في تلك الآونة امرنا وحداتنا بالنزول من دفاعاتها والتوجه الى موقعنا الجديد على الفور تاركة الحراس، وتجمعت كل القوات واول الافواج التي تحركت هي تلك التي كانت تحت امرة كل من المناضل حيلآب منجوس و المناضل حفون، لقد اخبرناهم عقب تحركهم بان طائرات العدو قد مرت الى الامام حتى ياخذوا حذرهم وبالفعل سارعوا بالخروج صوب منطقة ” قطر” وراوا من هناك العدو وهو يجهز دفاعاته في “شقلت” حيث قاموا باعلامنا هم ايضا بذلك. ووبسسب تلك التطورات التي اتت تباعاً قررنا مضاعفة قواتنا بتجميعها من مناطق مختلفة في امهميمت لمواجهة العدو، وفي الخامس عشر من اكتوبر حوالي الساعة الرابعة والنصف بدات وحدات العدو في اطلاق النار على دفاعاتنا ومحاولة اقتحامها حيث قمنا بالتصدي لها بشراسة ، وعندما وصل عدد قواتنا الي 4-5 وحدات بدانا في الهجوم المضاد من المواقع التي كنا قد تحصنا بها ” فنقل ، وتبح، وتكل” وتمكنا من هزيمتهم واخراجهم من تلك المواقع التي استولو عليها لنضع حداً للحملة الثامنة، اي حملة بحر نقاش وليكتب لها الفشل كسابقاتها من الحملات الاثيوبية الجائرة.
دعنا نعود بك الى الوراء ذكريات ايام الصبا في العام 1972م , ماذا تعني لك منطقة الساحل التي قضيت فيها فترة شبابك مناضلاً ومقاتلاً افني جل وقته في مقارعة العدو؟
كما يقول اباؤنا ان فترة الشباب من المراحل التي يحن ويتشوق اليها الانسان حتى ولو كانت سيئة و صعبة للغاية والعودة الى الوراء وتذكر الماضي يجعلك تقف على العديد من المحطات والمواقف التي عشتها حيث الركض مع الرفاق هنا وهناك لانجاز الاعمال التي توكل اليك، وتذكر معلمينا الذين كانوايشملوننا بالرعاية وكذا الرفقة بين المقاتلين وهنالك الكثير مما اتذكره في تلك الفترة ولايمكن سرده بالكامل. ولكن باختصار يمكن القول ان تلك الفترة يمكننا النظر اليها كالجنة الفاضلة من حيث الحياة الجميلة التي كانت تسودها و المفعمة بالروح والحيوية والحب والايثار الذي لايمكن ان تجده الآن بنفس المستوى بعد ذهاب الاصدقاء والرفاق كلا الى العمل والمهمة الموكلة اليه، على سبيل المثال لايوجد اي احد في هذه المناطق ممن كانوا معي في الفرقة 73، ربما اذا ذهبت الى الدفاعات تجد اثنين او ثلاثة من افراد اللواء الذين تعرفهم منذ تلك الفترة ، ان الشوق والحنان لم يكن للظروف المادية التي كانت في تلك الفترة ، وانما الى الجانب الروحي الذي يصعب الحصول عليه باي حال من الاحوال. وبكل صراحة عندما نتذكر اولئك الذين علمونا طريق النضال وشجعونا على المضي فيه وصنعوا منا رجالاً يكاد ان يطير النوم من عيوننا بسبب الشوق العارم لتلك الفترة. ان الساحل هو كل شيئ بالنسبة لنا ، فقد مضى قرابة 41 عاما منذ ان تعرفت على الساحل حيث امضيت فيه حوالي 18 الى 19 عاما، وتعلمت فيه فنون القتال واكتسبت فيه الخبرات ، وادركت معني الرفاقية.
فاذا كانت لدينا خبرات نعتز بها او نقدمها للشعب في الوقت الحاضر فهي الخبرات التي اكتسبناها في الساحل، وان الساحل بالنسبة للجبهة الشعبية لم يكن بقعة او ارضاً قابلة للنسيان فهو دائما محل تقدير واكبار واجلال.