October 22, 2012
نشرت مجلة ” السياسة الدولية ” في عددها رقم 190 الصادر في أكتوبر 2012 مقابلة مطولة ومعمقة أجرها في اسمرا مبعوثها الكاتب أشرف السعيد مع الرئيس الارتري تناولت قضايا تتعلق بأهمية موقع ارتريا الاستراتيجي والبحر الأحمر ومياه النيل والعلاقة الارترية ـ العربية، فضلا عن تطرقها لمسائل حيوية أخرى.
وفيما يلي ننشر نص الحوار تعميما للفائدة.
س: ما هو منظوركم الاستراتيجي لإرتريا وموقعها في المنطقة، وهل يؤثر ذلك في السياسة الخارجية الارترية؟
ج: تملك ارتريا موقعا جغرافيا مهما، حيث تطل على البحر الأحمر ـ الممر الدولي الحيوي ـ وتقع في القرن الأفريقي وشمال شرق أفريقيا ، وهذا الموقع يعطي لها أهمية إستراتيجية، لكننا دوما نقول انه لا يمكن الحديث عن دولة بعينها في البحر الأحمر، أو الشرق الأوسط، أو القرن الإفريقي، أو شمال شرق أفريقيا بل يجب ان تكون هناك بيئة تؤمن لكل الدول، مثل مصر قدرة إقليمية للتكامل، لتكون جزءا من المصالح العالمية، بكل ما تعنيه الكلمة سواء في الاقتصاد أو التنمية.
كما إن ارتريا لوحدها لا يمكنها أن تفعل شيئا بحكم موقعها، وبحكم الفرص الإستراتيجية التي يجب أن تكون مكملة لفرص الدول الأخرى الموجودة في المنطقة. أما السياسة الخارجية لإرتريا فهي مبنية على مصالح ترتبط بالأمن القومي الذي لا يمكن أن ينظر إليه بمعزل عن أمن الدول المجاورة. إذن يجب أن يكون هناك استقرار وتنمية وتكامل بين هذه البلدان، ونعتقد انه من أولوياتنا الإسهام في إيجاد مناخ يؤمن لبلدان المنطقة التكامل على صعيد البنية التحتية والتجارة والاستثمار، وحتى في القضايا الأمنية. كما انه من حق البلدان والحكومات ان ترسم سياسات خارجية تتوافق مع هذه المبادئ الأساسية.
س: طرحتم منذ عدة أعوام مبادرة أمن دول البحر الأحمر، ودعوتم خلالها كل من مصر والسعودية لتأسيس آلية تجمع هذه الدول، فماذا تم بشأن هذه المبادرة؟
ج: ما نراه اليوم من تدخلات في منطقة البحر الأحمر تحت دوافع عديدة منها محاربة الإرهاب والقرصنة والصراعات الداخلية، لا يمكن ان يحقق الآمن في المنطقة، كما لا يمكن لأي بلد بمفرده ان يخلق مناخا آمنا في البحر الأحمر، إن لم يكن هناك تكامل وتعاون بين بلدان هذه المنطقة. لذا يجب ان تكون هناك آلية فعالة لأمن البحر الأحمر تسمح لكل بلد بالمشاركة حسب القدرات والإمكانيات المتوفرة حينها، يمكن الاستغناء عن أي دور لأي دولة خارجية. ودائما أقول ان إمكانيات البلدان المطلة على البحر احمر أكثر من نظيراتها التي ستأتي من أماكن بعيدة لتأمين الاستقرار. أذن، نحن نتحدث عن آلية أمنية تختص باستقرار البحر الأحمر، ولكن تدعمها آليات اقتصادية تسمح بتعاون تجاري واستثماري، وتتيح حرية الانتقال للسلع والأفراد بين دول المنطقة. وهذه الآليات يمكن ان تصنع مناخا يضع دول البحر الأحمر في موقع حقيقي لها على الخريطة العالمية. وكان من المفترض ان تلعب مصر دورا في هذه الآلية، لكن الواقع آنذاك لم يسمح لها بذلك، ولكن نعتقد ان الظرف الآن مناسب في مصر والسعودية لإدراك أهمية هذه الإستراتيجية لأمن البحر ألأحمر.
س: هل ستشهد المنطقة العربية من منظوركم الاستراتيجي مزيدا من التقسيم في ظل الأزمات الجارية الآن؟
ج: الأزمات تأتي نتيجة لاختلالات محلية وإقليمية ودولية، ولا بد من معالجتها. وهناك أزمات ناتجة عن سوء تقدير وعدم إدراك للمهام والتحديات. فالسودان مثلا لم يكن يتوقع احد ان ينفصل الجنوب، لكن ما حدث نتيجة اختلالات محلية وإقليمية، وهذا نموذج يجب أن نأخذ منه عبرة لنصل الى قناعة أو استنتاج بأن هذا السيناريو سيكرر نفسه في بلدان أخرى، وان الفائدة الكبيرة مما حدث هى منع تكراره. كذلك، فان الصومال يعيش 20 عاما في تمزق واضطرابات، وصنع مناخا غير آمن، واتى بأضرار لشعوب المنطقة، ويمكن للحكومات والشعوب الاستفادة من هذه التجارب عن طريق إصلاح الاختلالات المحلية والإقليمية.
س : ما هى رؤيتكم لمسألة انضمامكم للجامعة العربية حاليا، وهل أرجأتم هذه المسألة؟ أم صرفتم النظر عنها؟
ج: من تجربتنا في الكفاح لأكثر من عشرين عاما، فان الانضمام الى أي منظمة إقليمية مثل الجامعة العربية، ليس بهدف البحث عن الهوية، بل عن جدوى الانضمام ، لكن الجامعة العربية منذ تأسيسها لم تلب طموحات شعوبها. فللأسف تحولت الجامعة الى مجرد ” ناد غير فعال ” وما نراه من اضطرابات وتجاذبات ومحاور ومشاكل قد اضعف الجامعة العربية، فيجب أن تكون هناك جامعة عربية فعالة تأخذ مكانتها على الخريطة العالمية، وتؤمن مصالح أعضائها، ثم تلعب دورا في الأمن والسلم العالميين. أما مسألة الانضمام للجامعة، فليس سرا انه كان هناك رفض من جانب بعض القوى والحكومات لطلب انضمام ارتريا للجامعة العربية، ولكننا لم نتأثر بهذه المواقف، فهناك حوار مستمر مع الجامعة. فانضمامنا أو عدم انضمامنا لا يهم، ولكن المهم ان تكون الجامعة العربية قوية بكل المواصفات، وهذا لم يحدث.
س: ما هى توقعاتكم لنتائج القمة العربية ـ الإفريقية في مطلع العام المقبل؟ وما هى طبيعة علاقاتكم بالدول العربية؟
ج: بصرف النظر ارتريا انضمت أم لم تنضم الى الجامعة العربية، فالعلاقة الإستراتيجية مع العالم العربي موجودة بحكم الواقع والتاريخ والجغرافيا والمصالح وغيرها، ولكن الآليات والمناسبات التي تعقد للبحث عن كيفية صنع الآليات للتعاون بين العرب والأفارقة لا تزال تراوح مكانها، فهي فرصة للتشاور، ولكن هذا لا يكفي، بل يجب ان تكون هناك خطوات فعالة للآليات التي تستحدث، وهذا لم يحدث لليوم، ونأمل مع التجارب ان يتم صنع فرص للتعاون الأشمل بين الدول العربية وإفريقيا. ومنذ استقلال ارتريا، وعلاقاتنا مع الدول العربية تتطور بشكل ايجابي، ولكن ببطْ، كما لنا علاقات اقتصادية جيدة مع عدد من الدول العربية، منها مصر والسعودية واليمن والسودان وحتى المغرب العربي، وان كنا نطمح أكثر في استحداث آليات التعاون الاقتصادي، وأيضا التعاون ألامني بالنسبة لأمن البحر الأحمر.
س: بعد قيام ثورة 25 يناير 2011، ما هو منظوركم لمصر الجديدة، وكيف يمكن تطوير العلاقات المصرية ـ الارترية؟
ج: خلال العقود الثلاث الماضية في مصر حدثت إخفاقات أدت الى عدم قدرة أو رغبة مصر في ممارسة دورها التاريخي مما احدث اختلالات كبرى في المنطقة ، وللأسف اعتمد النظام السابق على سياسة غير واقعية تجاه أفريقي، حيث تم إهمال منطقتي حوض النيل والبحر الأحمر، بالرغم انه كان من المفترض ان تكونا على قمة ألأولويات، لكن ذلك لم يحدث، بالعكس كان دور مصر غير إيجابي. وقد تحدثنا مع القيادات السياسية في النظام السابق، وأكدنا لهم ان فقدان مصر لمكانتها في المنطقة سيحدث اختلالا ومشاكل في المنطقة، وللأسف كانت الاستجابة غير موجودة. اليوم نرى ان هناك عملية تحول كبرى في مصر، ولا يمكن الحكم الآن على ما سيحدث فيها خلال السنوات القادمة، هل ستعود مصر فعلا لأصلها ولمكانتها، أم سيكون غير ذلك. وارى ان ثورة 25 يناير جاءت نتيجة الأوضاع الأمنية والسياسية والثقافية في مصر، في ظل ظروف إقليمية مواتية، وبسبب الضغوط الدولية التي مارست دورا في فقدان مصر لدورها ومكانتها في المنطقة. نأمل في ان ندخل في حوارات جادة مع الرئيس مرسي والحكومة الحالية، ونرى ان مصر قادمة لتتبوأ مكانتها، وهذا ليس مجاملة لمصر، وإنما واقع موجود، وألاحظ الآن ان هناك بوادر إصلاح الخلل الذي كان موجودا في الدور المصري، ونأمل في التشاور بين مصر والدول المجاورة بما فيها ارتريا، ليصب ذلك في رجوع مصر الى مكانتها الإقليمية سواء في البحر الأحمر أو في القرن الأفريقي. كما إننا نطمح في أن تكون علاقات ثنائية لمناقشة الأمور الإستراتيجية الإقليمية والدولية التي تربط ارتريا بمصر، فالبلدان لهما قواسم مشتركة تفرض عليهما التعاون. وأرجوا أن تكون هناك زيارة الى مصر قبل نهاية العام الجاري للقاء الرئيس مرسي، فالإرادة موجودة، والمبادرات والاتفاقيات أيضا، وزيارات الوفود مستمرة. وفي ظل هذه المتغيرات يجب أن تكون هناك حوارات، وآمل أن تكون خطوات جادة قريبا.
س: وماذا عن موقف بلادكم من قضية حوض النيل بصفتها إحدى دول الحوض؟
ج: أرى ان صعوبة حل القضية تكمن في عدم وجود إرادة سياسية لحكومات دول حوض النيل، فضلا عن محاولات إحداث سياسة المحاور في قضية المياه. وفي اعتقادي فإن عدم وجود بنية تحتية في هذه البلدان، من طرق ومواصلات وسكك حديدية وخدمات اجتماعية وتجارة يفرض عليها ان تقوم بتنمية التكامل فيما بينها للاستفادة من مياه النيل لمصلحة جميع الدول. كما ان الحديث في مسألة مياه النيل حتى اليوم هو مناورات سياسية تحصل في بعض الأحيان الى الابتزاز من بعض البلدان، خاصة في الجنوب بسبب التجاذبات للمحاور التي تستحدث، والعلاقات الثنائية. إذ إن الحوارات الثنائية غير المجدية تعقد المسألة وتؤجل إيجاد الحلول في نظرنا. ارتريا كعضو مراقب في دول حوض النيل تنظر للمدخل الصحيح لحل قضية مياه النيل، بأن مياه النيل جزء أساسي من علاقات تعاون اقتصادية بين هذه الدول. ولو ان الحوار يتم في هذا الإطار، فسيكون هناك تقدم في العملية. فالمياه لست شحيحة، بل موجودة حتى في البلدان التي لديها موارد مائية أخرى. كما ان كثيرا من البلدان التي تعد منابع لمياه النيل، لها خيارات مطرية يمكن الاستفادة منها. لكن مصر تختلف ظروفها عن البلدان الأخرى في دول حوض النيل، والسودان أيضا بالقدر نفسه، إذن يجب ان يكون هناك اتفاق وتكافل في الاستفادة من هذه الموارد. ونعتقد إن مصر يجب ان تسهم بشكل كبير في رسم السياسات والخطط واستحداث الآليات للاستفادة من مياه النيل.
س: ما السبيل لتعميق العلاقات بين بلادكم ومصر والسودان؟ وما الشكل الذي يجب أن تكون عليه العلاقات بين البلدان الثلاثة خاصة بعد الانتهاء من إنشاء طريق يربط بين ارتريا والسودان وأيضا طريق آخر يربط بين السودان ومصر؟
ج: أرى ان هذا شيء يمكن ان يكون نموذجا في شمال شرق أفريقيا، فلا انظر لمثلث الدول الثلاث بمعزل عن المحيط، ولكن يمكن أي يكون بداية بين الدول الثلاث، ستفتح لهل آفاق الاستثمار والتجارة والمشاريع الزراعية المرتبطة بالنيل لتامين الغذاء. إذن، قد تكون الطرق بين الدول الثلاث مدخلا صحيحا للتعاون. يجب أن لا ننتظر الى أن تكون هناك حلول شاملة، واتفاقيات تشمل كل الأطراف. فهذه الخطوة بين ارتريا والسودان ومصر لا تعني إقصاء الآخرين، لكنها بداية لإشراكهم، فضلا عن استحداث نموذج إيجابي يشجع الآخرين على إلاسهام.
س: ما مستقبل العلاقات الارترية ـ ألإثيوبية، بعد رحيل ملس زيناوي؟
ج: إن المشكلة مع أديس أبابا تكمن في الحدود التي هي نتاج لمشكلات داخلية إثيوبية، وتدخلات خارجية خاصة الولايات المتحدة التي وقفت أمام حل المشكلة لاعتبارات إستراتيجية أمريكية. فالولايات المتحدة ترغب في صنع أزمات وإدارتها في المنطقة. فالإختلالات التي حدثت في العلاقات الإرترية ـ الأثيوبية يجب أن تكون لها مراجعة. والسؤال هو هل ستكون هناك معالجات لمثل هذه الأمور داخل أثيوبيا؟، وهل ستنتهج الإدارة الأثيوبية الجديدة توجها جديدا بعد زيناوي؟. لايمكن لنا أن نتنبأ، ولكن كل العوامل موجودة، ونحن نتابع ألأحداث.
كما أن السؤال المهم هو: هل سيكون هناك تحول أثيوبي داخلي غير الذي شاهدناه.خلال العقدين الماضيين؟، وهل سيتم تحجيم التدخلات الخارجية والمؤسسات التي تخدم أجندات خارجية، وتعقد الاستقرار في المنطقة؟ لنر.
س: التقيتم أخيرا في اسمرا رئيس السلطة الإقليمية لدارفور، د.تيجاني سيسي محمد، والذي أعرب عن شكره لدور بلادكم الايجابي في اتفاق الدوحة، فماذا جرى في هذا اللقاء؟، وماذا عن تنفيذ بنود اتفاق الدوحة حول دارفور؟
ج: دائما توجد حوارات مستمرة بيننا والأخ د.تيجاني، وقد جاء في ظرف حساس، خاصة بعد انفصال جنوب السودان، ويجب أن يكون هناك حل شامل، ولا يمكن أن تحل الأمور بتناول الجزئيات ثم التركيز عليها. فاتفاقية الدوحة كانت من أفضل الاتفاقيات، لكن دائما كنا نقول إن دارفور هي جزء من السودان، كما كان جنوب السودان وأيضا شرق السودان وشمال ووسط السودان، هي أجزاء جميعا في السودان. ويجب ان نأخذ العبرة من تجربة جنوب السودان، ومع كل الملاحظات التي كنا نبديها سواء كانت في اتفاقيات ماشاكوس أو نيفاشا والتي لا تزال بقاياها تمثل جزءا من المشكلة الحالية، فيجب أن لا تتكرر هذه الممارسات في معالجة قضايا دارفور. لقد جاءت هذه المبادرة من قبل دول الاقليم ومنظمة الايغاد لحل مشكلة جنوب السودان، ولكن دخلت فيها مفاهيم أدت الى الانفصال، مثل قسمة الثروة والسلطة، فكيف يتم تقاسم الثروة بين جهتين في وقت حساس؟ والمناخ الذي شهد توقيع اتفاقية نفاشا كانت له اختلالات غير منطقية. فالمعالجات التي تمت لقضية جنوب السودان لم تكن مناسبة، حيث كان بالامكان لدول مجاورة ان تسهم في ايجاد مناخ لحل سوداني ـ سوداني لحل هذه العملية، لكن المسألة خرجت عن السيطرة، وأصبح التدويل بديلا للحل المحلي، وحدث ما حدث. لذا علينا الاستفادة من هذه التجربة لمعالجة القضايا الاخرى، فقد جاءت قضية دارفور عرضا مع مشكلة جنوب السودان، ووقعت الاخطاء نفسها وهي التدويل وقسمة الثروة والسلطة وغيرها من المفاهيم الغريبة على الواقع السوداني. كما دخل الاتحاد الافريقي الى القضية عبر بوابة حفظ السلام. وهذه القوات كان من الممكن ان لا تكون بالضرورة موجودة في حال وجود حل سوداني ـ سوداني. في نظرنا، على السودان ان يبحث عن حل سلمي بدون تدويل أو تدخلات خارجية، في اطار سوداني بحت. والمبادرة القطرية واتفاقية الدوحة كانت تصب في هذا الاتجاه، مع انه كانت هناك جوانب من بقايا الاتفاقيات السابقة مثل ابوجا وغيرها من الاتفاقيات، بوجود القوى الدولية.
س: ما تقديركم للنزاع بين شطري السودان حول ملفات الحدود والامن والنفط؟ وكيف يمكن المعالجة؟
ج: المعالجات في اعتقادي اولا يجب ان ترجع الامور الى نصابها قبل كل شىء، فاتفاق السلام الشامل لم يحل مشكلة جنوب السودان، وانتهت القضية للاستفتاء. وهناك قضايا عالقة موجودة مثل أبيي والحدود والنفط وجنوب كردفان والنيل الازرق، مع وجود مشاكل اخرى في أكثر من موقع. وموقفنا هو ان يكون هناك حل محلي، وان تكون هناك استراتيجية للخروج من التدويل، ويجب ان تكون هناك ارادة من كل الاطراف.
س: ما هو تقييمكم للاتحاد الافريقي في الوقت الراهن؟ وهل يمكن ان تتحقق الوحدة الاقتصادية والسياسية مستقبلا؟
الاتحاد الافريقي غير موجود لعدة عوامل منها ان المؤسسين لمنظمة الوحدة الافريقية، أسسوا المنظمة قبل أربعة عقود لكي تدخل القارة في مجال التعاون، ولتسارع في أن تكون جزءا من التحول السياسي والاقتصادي العالمي. هذه التجربة أخفقت حيث لم تلب منظمة الوحدة الإفريقية طموحات شعوب القارة، فجات فكرة الاتحاد الإفريقي كبديل لمنظمة الوحدة الإفريقية. وإذا نظرنا الى الاتحاد الإفريقي، فيجب ان نكون صرحاء مع أنفسنا، ونعترف بأننا أخفقنا وفشلنا في إيجاد البديل لمنظمة الوحدة الإفريقية، وهذا لا يعد تقليلا من شأن الاتحاد الإفريقي، ولا أحد مسئول عن الإخفاقات، لكن الجميع يتحمل المسئولية، فيجب علينا جميعا العمل على إيجاد المناخ الملائم لمنظمة قارية، اذا كانت هناك حاجة إليها. ومن المهم وجود البلدان المؤثرة مثل مصر التي يجب ان تلعب دورا أساسيا في هذه العملية. لكن المهم ان نعترف بالإخفاقات التي وقعت في القارة، وهذا التقييم يدفعنا الى القول ان المنظمة غير موجودة أصلا.
س: كيف ترون اليمن بعد خروج الرئيس علي عبد الله صالح من السلطة؟، وهل يمكن أن ينشطر اليمن الى دولتين؟
ج: توجد أراء متباينة في هذا الموضوع، حيث هناك من يعتقد ان التجربة الوحدة اليمنية أخفقت أو فشلت. إذن، البديل عند البعض الآخر هو انفصال الجنوب، وارى ان ذلك ليس المدخل ألصحيحي. فحتى لو حدثت مشكلة في اليمن، فليس ذلك نابعا من وضع داخلي لكن الوضع الإقليمي والدولي كان له دور وتأثير. في اعتقادي ان لا ننظر الى ان كل مشاكل اليمن هي علي عبد الله صالح. أنا لا اعتقد ذلك، ولست مقتنعا بأن انفصال الجنوب اليمني سيضع حلا للمسألة إطلاقا، ولكن المهم أن يكون هناك تقييم موضوعي لأحداث اليمن في ظل زمن الحرب الباردة، ثم بعد الوحدة اليمنية، وكثير من الأمور يجب ان تدرس بعناية، واليمن بحكم الجغرافيا والواقع جزء أساسي من البحر الأحمر وباب المندب والمنطقة العربية بأسرها.
س: بعد أن تم الإعلان عن الرئيس الصومالي الجديد، حسن شيخ محمود…في تصوركم هل سينجح في إعادة الاستقرار للبلاد؟
ج: منذ 20 عاما ونحن نؤكد انه بعد زوال نظام سياد بري أصبح لا يوجد في الصومال دولة، بل يوجد أرض الصومال وبونت لاند ومقديشو وكيسمايو، وهذا الواقع يجب ان يعالج. واذا كانت اجزاء من الصومال تقع تحت سيطرة أمراء الحرب أو قوى محلية أو خارجية، فيجب الجلوس الى طاولة المفاوضات للتشاور وتشخيص مشاكلهم، ثم يتفقون على شىء، وتدريجيا ستقوم هناك حكومة صومالية حقيقية تضم كل ألاطياف السياسية في البلاد. أما بالنسبة للوضع الجديد في الصومال، فلا يمكن الحكم على التغيير الذي حدث، وقد يكون تغييرا شكليا أو جزئيا وقد يكون شاملا. وإذا كانت هناك جدية لدى الدول المجاورة للصومال، وتريد وضع حل لهذه العملية، فلا بديل عن الشعب الصومالي وخياراته، وهناك من يردد ان ارتريا لم تعترف بالحكومات السابقة، وهذا ليس موقفا سياسيا من الأشخاص وهو موقف من الحكومات التي تعاقبت في مقديشو. بالعكس، دائما أقول هل هناك عقوبات دولية على الدول التي لم تعترف بإسرائيل؟
السياسة الخارجية الارترية مبنية على فهمنا للواقع المعقد للصومال، فضلا عن مبادئ أساسية تحترم خيارات الشعب الصومالي، وتعترف بقدراته على تجاوز كل المعضلات. إلا إن التدخلات الخارجية التي تعقد المسألة هي سبب أساسي في المشكلة الصومالية.
س: في منظوركم، ما هي أسباب فتور العلاقة وعدم الثقة بين بلادكم والولايات المتحدة؟
ج: الفتور هو نتيجة سياسات واشنطن الخاطئة في الهيمنة والاستحواذ وافتعال الأزمات والمشاكل وإدارتها، وليست سياسات خاصة بإرتريا، هذه مشكلة الولايات المتحدة التي نتجت عن الحرب الباردة وتعتمد سياساتها على مفهوم الاعتماد على الدول ذات الوزن الإقليمي، حيث تقسم الولايات المتحدة إفريقيا الى أربعة أقسام، حيث تعتمد على بلد معين في كل قسم، مثل جنوب إفريقيا في الجنوب ونيجيريا في الغرب. إذن، فواشنطن تسيطر على حكم البلدان والشعوب من خلال تمكين قوى سياسية معينة على حساب الآخرين. فالسياسات الأمريكية تقوم على اختيار حكومات ضعيفة أو حكومات مستعدة لخدمة أجندة واشنطن. للأسف الشديد أصبحنا ضحية لهذه السياسة، وما نراه في المحيط الإفريقي سواء كان في الصومال أو السودان وداخل إثيوبيا واليمن وارتريا والبحر ألاحمر ما هو إلا نتاج للساسة الأمريكية، لان هناك أجندة سياسية لهذه العملية، وليست لنا خلافات خاصة بيننا وبين واشنطن في هذه المسألة. لكننا لا يمكن ان نقبل سياستها، فالشعب الارتري رفض بعد الحرب العالمية الثانية الخيارات الإستراتيجية للولايات المتحدة لأنها ستفرض علينا وتجعلنا نعيش في تناحر وعدم استقرار. ان الأزمات الموجودة في المنطقة هي نتيجة الإخفاقات والسياسات الخاطئة لواشنطن خاصة إننا نعتمد على سياسة مستقلة دفعنا ثمنها غاليا، فيجب ان ندافع عن هذه المصالح التي لا ترتبط بسياسات ولا خيارات معينة، بل إنما مرتبطة بسيادة هذا البلد وقضية الحدود وغيرها من المواقف العدائية للولايات المتحدة ناتجة عن سياسات العربدة الأمريكية وعدم احترام الشعوب وخياراتها.
س: ما هي طبيعة العلاقات بين بلادكم وتركيا وإيران وإسرائيل؟
ج: علاقاتنا مع إسرائيل دبلوماسية عادية، وليست مبنية على الانتهازية. ومواقفنا في كثير من القضايا، سواء في العلاقات الثنائية أو الإقليمية واضحة في هذه العملية. وما نراه اليوم في العالم العربي انه لا يمكن ان يكون هناك استقرار، بدون ان تحل القضية الفلسطينية ـ الإسرائيلية بشكل واقعي، وما شاهدناه من أوسلو وباريس ومدريد لا يؤدي الى حل. الحديث عن إسرائيل وتركيا وإيران يأتي في ظل مناخ به اختلالات، وضمن هذه الاختلالات هو فقدان مصر لدورها هنا، تسعى قوى إقليمية الى ملء الفراغ دون النظر الى المصالح المشتركة والاستقرار الإقليمي الاشمل. ارتريا لديها علاقات مع تركيا وإيران وإسرائيل وغيرها خارج مفهوم المحاور والمصالح مع طرف ضد آخر، أو مواقف انتهازية تأخذ في الحسبان تكتيكات معينة ومصالح آنية. فنحن نتريث وننتظر حدوث تحولات فعلية، ولا نعتقد ان البلدان أو الحكومات التي تعتقد ان لديها نفوذا إقليميا تكون خاطئة في تقديراتها، ولكن التخوف من مخاطر هذا النفوذ على المنطقة نفسها.
س: هناك خصوصية في العلاقة بين بلادكم ودولة قطر، فما الذي يميز هذه العلاقة؟ وهل توجد استثمارات قطرية في بلادكم؟
ج: علاقاتنا مع دولة قطر إستراتيجية، وهي ليست مبنية على استخبارات، ولا على مصالح انتهازية أو على مصالح آنية، بالعكس العلاقة تقوم على قيم مشتركة، وقد تكون هناك تباينات أو اتفاق أراء في كثير من الأمور، ولكن العلاقة الإستراتيجية مبنية على فهم صحيح للثوابت التي تحكم توجهاتنا السياسية والقيم التي نعتمد عليها في خياراتنا في قضايا محلية وإقليمية ودولية. ودائما هناك تشاور ونقاشات جادة في كثير من الأمور بصراحة، وهناك استثمارات قطرية موجودة في ارتريا، لكنها متواضعة مقارنة بمثيلاتها من أوروبا واسيا وأمريكا الشمالية، لكن أكبر استثمارات لدينا هي كندية وصينية وغيرها.
س: في منظوركم، ما هي الآثار والنتائج التي تمخضت عن الربيع العربي على المنطقة العربية؟
لا أجد في المفردات أي معنى لعبارة ” الربيع العربي ” ولا أجد ربيعا عربيا، بالعكس أرى ان هناك تحولات موجودة. فالمهم ليس وصفها بربيع أو غيره، انما ما يهمنا هو وجود التحولات. ولكن إدخال كل التحولات في سلة واحدة وفهمها بمعايير محددة يعد أمرا خاطئا، فكل بلد له خصوصيته، وقد تكون هناك ظروف إقليمية موضوعية أسهمت أيضا في الواقع، وأكثر من ذلك ان هناك وضعا دوليا أسهم فيما هو موجود الآن. فكيف نقرأ الخصوصية لكل بلد، ولكل شعب، أو للمنطقة أو للمحيط الذي نعيش فيه؟ وكيف نفهم المؤثرات الخارجية الدولية في هذه العملية؟ يجب ان نفهمها بشكل صحيح حتى نعطي وصفا معينا. والمهم في الأمر هو المستقبل، انه يجب ان تتحول كل هذه البلدان الى الأفضل، كما يجب ان تكون المنطقة التي تحدث فيها تناقضات وتحولات الآن جزءا فعالا من المناخ الدولي، لان نسبة 60 في المائة وأكثر من الموارد النفطية موجودة في هذه المناطق التي تعد من أهم المواقع عالميا. ولا نرجو أن تكون هناك تداعيات غير مرجوة وغير متوقعة، ونأمل من كل هذه التحولات أن تؤدي الى وضعية أفضل للمنطقة كلها، وان تفي بتطلعات الشعوب داخل كل بلد.