June 17, 2012
يوم الشهداء هو يوم مراجعة الذات واستخلاص الدروس والعبر
عشت مع الشهداء أحلى واجمل وأمر أيام النضال
أول شهيد عرفته في الثورة استشهد عام 1967
إننا نسير في الاتجاه الصحيح
أجرينا حديثا مع سكرتير الجبهة الشعبية للديموقراطية والعدالة، المناضل الأمين محمد سعيد، وذلك بمناسبة حلول العشرين من يونيو يوم شهداء إريتريا. فقال في معرض حديثه ان يوم الشهداء هو يوم وقفة مع الذات بغية التقييم والمراجعة واستخلاص العبر والدروس، ورسم استراتيجية مستقبلية قريبة الأجل وبعيدة المدى. وشرح الأسباب التي تكمن وراء اختيار العشرين من يونيو كيوم شهداء من بين أيام تاريخية عديدة حية في المخيلة الجماعية الإريترية. وذكر السيد الأمين محمد سعيد وتذكر عدد من الشهداء منهم على عثمان وابرهام تولدي وإبراهيم عافه وآخرين غيرهم، منوها بان أول شهيد سقط منذ التحاقه بالثورة الإريترية في سنة 1966هو المناضل على إدريس انرعلي الذي استشهد في عام 1967 في معركة عايلت وقمهوت. ثم توقف برهة عن الحديث وتوغل في أغوار ذاكرته، قبل ان يسترسل قائلا ” عشت مع الشهداء أحلى واجمل وأمر أيام النضال “ونبه سكرتير الجبهة الشعبية للديموقراطية والعدالة على أهمية إحياء يوم الشهداء ليس بالعاطفة وحدها وانما بالعقل أيضا لكي يكون هذا اليوم ينبوع أمل وقدرة ورغبة في تجسيد طموحات وتطلعات الشعب الإريتري.
وأخيرا وليس آخر قال المناضل الأمين محمد سعيد ” إننا نسير بالاتجاه الصحيح. وان ما تحاك ضدنا من مؤامرات ومكائد، ما هي سوى مطبات أرضية نستطيع تجاوزها بيسر. وأنا اجزم بأننا سوف نتمكن من الولوج في القرن الواحد والعشرين ونحن على ثقة مطلقة بأنفسنا.”
.س: ما هي أبعاد ودلالة ورسالة الاحتفاء بيوم الشهداء؟
تتمثل أبعاد ودلالة ورسالة الاحتفاء بيوم الشهداء في التضحيات الجسام التي قدمها الشعب الإرتري من اجل حقه في تقرير المصير في التحرر الاجتماعي والاستقلال الوطني. فالشعب الإرتري وخلال عقود متعاقبة كان ولازال يقدم العديد من التضحيات من اجل التأكيد على سيادته، وكيانه السياسي والجغرافي، بكل ما يحمل كل ذلك من أبعاد سياسية، اقتصادية، ثقافية واجتماعية.
ومن هنا فان يوم الشهداء ووفقا للفهم الإرتري، هو يوم تتكامل فيه الرغبة والإرادة، الرغبة من اجل التحرير من عوامل التخلف السياسي والاجتماعي، والإرادة من اجل تحقيق الشخصية الوطنية الإرترية التي تتكامل فيها عوامل العزة والرقي، على طريق التحرر والانطلاق. ان يوم الشهداء هو في حقيقته يوم لمراجعة الذات، وما يمكن ان يستخلص من عبر ونتائج لرسم صورة واضحة لآفاق المستقبل القريب والبعيد.
س: لماذا تم اختيار العشرين من يونيو كيوم شهداء من بين ايام عديدة حية في الذاكرة الجماعية للشعب الإرتري؟
ان اختيار يوم العشرين من يونيو من كل عام، كيوم شهداء لم يكن سوى إحدى دلالات ومعجزات الشعب الإرتري العظيم. ففي العشرين من يونيو من العام 1982م تمكنت الإرادة الإرترية من كسر وتحطيم وإفشال ما عرف بالحملة العسكرية السادسة للنظام العسكري الأثيوبي الهمجي الذي تربع على عرش الإمبراطورية الأثيوبية. ففي ذلك اليوم يوم النصر الإرتري، انتصر الشعب الإرتري على اكبر جيش في جنوب الصحراء الأفريقية، وهو الجيش الأثيوبي الاستعماري الغاشم.
كان الهدف المعلن للحملة العسكرية الأثيوبية السادسة هو إنزال الهزيمة الماحقة والساحقة بالجيش الشعبي لتحرير ارتريا التابع للجبهة الشعبية لتحرير ارتريا “مرة والى الأبد”. ومن اجل ذلك، وبفضل السخاء العسكري الذي تدفق للنظام العسكري الأثيوبي من قبل ما عرف في حينه بالاتحاد السوفيتي، جهزت تلك الحملة بكل أدوات القتل والتدمير. إلا ان النتيجة وبعد ملاحم بطولية خاضها الجيش الشعبي لتحرير ارتريا لأكثر من 95 يوما هزيمة مدوية كانت لها أصداء واسعة في مراكز صنع القرار الدولي، ومعلما بارزا وانجازا حقيقيا سجل بفخر واعتزاز لصالح القدرة العسكرية الارترية.
وللتاريخ فإننا وبهذه المناسبة نستطيع ان نؤكد بان خسائر العدو في تلك الفترة اي من فبراير وحتى يونيو من عام 1982م بلغت في مجملها في الحملة العسكرية السادسة حوالي 40 ألف قتيل وجريح، واسر 939 جنديا، والاستيلاء على اكثر من 8000 قطعة سلاح ما بين ثقيل، ومتوسط وخفيف، وتدمير 19 دبابة ومصفحة، و40 عربة عسكرية، وإسقاط ثلاث طائرات ميغ من طراز ميغ 21.
لقد كان يوم العشرين من يونيو من العام 1982م احد الأيام الذي واجه فيه الشعب الارتري بجدارة ، التاريخ المظلم للمستعر في ارتريا، والذي لم يكن سوى تاريخ مرتبط بالمجازر الدموية، واللجوء القسري، والسجون، وانتهاك الحرمات. انه تاريخ مليء بالأطماع، التدمير، نهب المواشي والمحاصيل الزراعية، وإحراق القرى. ولم يكن الانتصار الارتري في الحملة العسكرية الإثيوبية سوى إحدى الصفعات التي وجهت لتاريخ ذلك الوجود الاستعماري الأثيوبي المليء بالتعذيب والتنكيل.
س: ما هي الذكريات التي تخطر في وجدانك ومخيلتك وذهنك عندما تتذكر الشهداء في يوم الشهداء وغيرها من الأيام مثل يوم عيد الاستقلال؟
لاشك بأنني ومثل العديد من رفاق الدرب أتذكر في هذا اليوم، وفي بعض ايام المناسبات التاريخية التي مرت علينا، العديد من الشهداء الذين عاصرتهم عن قرب، وعشت معهم أحلى وأجمل وأمر أيام النضال، خاصة أثناء اشتداد المواجهات العسكرية والسياسية بيننا وبين أعداء الشعب الارتري. إنني اذكر بفخر واعتزاز العديد منهم، ومن الصعب بمكان سرد مناقبهم وأفضالهم علينا بصورة موجزة، وهم الذين قدموا أغلى ما يملكون وهي الشهادة من اجل قضية عادلة مثل قضية الشعب الارتري.
إنني اذكر بهذه المناسبة الغالية والعزيزة على نفوسنا، شهدائنا الأوائل على عثمان محمد، ابرهام تولدي، على ادريس إنرعلي، كداني يحدقو، عامر طاهر شهابي، حسن باشميل، معشو إمبايي، صالح ططو، احمد هلال، فسهاي ولدجبرئيل، ابوبكر محمد حسن، احمد حسب الله، يماني أباقراي، ودي فنقل، حسن حمد أمير وابراهيم عافة وغيرهم وغيرهم كثر.
إنني اذكر كل هؤلاء وغيرهم كثر، وكأنهم لازالوا معي حتى الآن. أتذكر بطولاتهم وتفانيهم، وإخلاصهم، ومحبتهم للإنسان الارتري، والأرض الارترية الطيبة، ورؤيتهم الصادقة في كيفية تحقيق ما يصبوا إليه شعبنا الارتري. وإنني وبهذه المناسبة الجليلة، مناسبة يوم الشهداء لا يسعني إلا ان اقف إجلالا وتقديرا لتضحياتهم بكل ما كانوا يملكون.
س:هل كشفت لنا عن مشاعرك الأولية والمباشرة لدى سقوط اول شهيد كان يناضل معك في خندق واحد لدي التحاقك بصفوف الثورة الارترية في عام 1966م.
يمكنني ان اذكر الشهيد على ادريس إنرعلي الذي استشهد وهو يقود فصيلته، في مواجهة قوات العدو في معركة عايلت وقمهوت في العام 1967م والشهيد محمد شريف الذي لم يستشهد نتيجة رصاصة معادية، بل استشهد بعضة ثعبان سام في منطقة قدم في العام 1968م. وغيرهم وغيرهم كثر لا يسعني ذكرهم لضيق الوقت ومحدودية مساحة هذه المقابلة على عجالة.
س: بحكم ان ذكرى الشهداء عميقة الجذور في تربة التاريخ الارتري وممتدة الأغصان في سحاب المستقبل الذي يصنعه الشعب الارتري بعقله وعواطفه وسواعده، كيف تود ان يتذكر ويحي الجيل الصاعد هذا اليوم الذي يلخص في ذاته جدلية الزمن الآتي والاني والماضي؟
علينا بالتأكيد ان نتذكر هذا اليوم ، يوم الشهداء ليس بعواطفنا وضمائرنا فقط، بل بقلوبنا وعقولنا أيضا. فهو يوم عظيم تمكن شهداؤنا الأبرار من خلاله ان يعطونا الأمل والقدرة والرغبة، وكيف نصنعهما ونستخدمهما بعناية فائقة، من اجل تحقيق ما يصبوا اليه شعبنا الارتري الأبي. وعلينا أيضا ربط هذا اليوم بما تم وتحقق في الماضي والحاضر وما يمكن ان نحققه في المستقبل الواعد. وهذا هو واجبنا الذي يجب ان نقوم به تخليدا لذكرى شهدائنا الأبرار. فنحن نعيش واقع ارتريا المستقلة، وكلنا أمل لانجاز ما تبقى من أعمال ومهام المرحلة القادمة. هذا الواقع الذي لولا تضحيات شهداءنا لما تأهلنا لعيشه بأمن واستقرار.
س: ما هي الرسالة التي تريد ان توجهها الى الشعب الارتري في الداخل وفي المهجر بمناسبة حلول يوم الشهداء، لاسيما في الظرف التاريخي الراهن الذي تسعى فيه قوى إقليمية ودولية لإعاقة مسيرة التنمية الاستراتيجية الارترية بافتعال أزمات من العدم وإصدار مجلس الأمن القرار 1907 الجائر والباطل في 23 ديسمبر 2009 بحق ارتريا بلدا وشعبا.
الرسالة التي أوجهها تتلخص في التأكيد بأننا نسير بالاتجاه الصحيح. وان ما تحاك ضدنا من مؤامرات ومكائد، ما هي سوى مطبات أو حفر أرضية نستطيع ان نقفز فوقها و نتجاوزها بيسر. لقد مررنا حقيقة بتجارب بل بمعارك اختلطت فيها مؤامرات الأعداء والحاقدين بصمود وقدرات شعبنا وتجاوزناها باقتدار. وقد شكلت لنا كل تلك التحديات سواء في فترة حق تقرير المصير في الأربعينات، او في فترة خوض النضال المسلح، واقعا نقف عليه بصلابة دون ان يهتز لنا جفن، واستطعنا من خلاله ان نوضح من نحن وماذا نريد، وكيف نحقق ما نصبوا إليه.
ان التاريخ السياسي الارتري خاصة الحديث منه، يوضح لنا بلا شك أو ريب، بأننا ومن خلال صمودنا أمام كافة التحديات، تمكنا من المحافظة على وحدتنا الوطنية، واستخلصنا الدروس والعبر في كيفية تحقيق المزيد والمزيد من الانجازات، وبصورة خاصة تحقيق الاستقلال الوطني المجيد. ومن هنا استطيع ان اجزم بالقول والفعل أيضا، بأننا سوف نتمكن من الولوج في القرن الواحد والعشرين ونحن على ثقة مطلقة بأنفسنا.
والى الأمام من اجل خلق واقع يلبي واقع يليق بعظمة شعبنا الأبي.