May 30, 2015
المحترمون والمحترمات
أيها الشعب الإرتري في الداخل والخارج
في البدء يطيب لي أن أزف تهانيي للشعب الإرتري بأسره ولكافة أصدقائه بمناسبة الذكرى الـ 24 للإستقلال المجيد. كما يسرني أن أتوجه إلى هذا الشعب العظيم بتحية إكبار وإجلال، هذا الشعب الذي أنجز إستقلاله واقعاً راسخاً، والذي صان سيادته وحريته عبر بذل تضحيات منقطعة النظير وعبر تعزيز قدراته على التصدي حتى وصل إلى ما وصل إليه. كما أشكر مفوضية الرياضة والثقافة مع كافة الجهات التي قدمت إسهاماً مقدراً في الداخل والخارج من أجل إبراز هذه المناسبة بهذه الحلة البهية تحت شعار “التنمية بالصمود”.
إن ذكرى الإستقلال هي مناسبة نقيم فيها ما مضى من مسيرتنا، ونستشرف خلالها مهامنا القادمة ليس بالتساؤل عن ما نتوقعه وإنما عن ما يجب علينا عمله. إن مغزى وكرامة الاستقلال لا تتجلى فقط في الكفاح التحرري المرير والتضحيات الجسيمة التي صاحبته بل أيضاً تتبدى في الكفاح والتضحيات من اجل صيانة ذلك الاستقلال وبناءه.
وبما أن إنجاز إستقلال وطن وبناءه عمليتان متكاملتان، فإن الإخفاق في تشييد وطن مستقل حقيقي يجعل من كفاحنا الذي خضناه وتضحيات أبطالنا مجرد حكاية تروى. وإنطلاقاً من هذا الحس المسؤول ومن هذا الإرث الثقافي نقيم الماضي ونخطط للمستقبل.
في إطار إستقراء واقعنا في كل ذكرى سنوية بضم تجارب السنة الحالية إلى رصيد الأعوام الماضية من الخبرات فإنه يبرز سؤال هام: هل نحن بصدد بناء وطن يليق بتلك التضحيات الجسام التي بذلها أبناءه مع الحفاظ على إستقلالنا وسيادتنا؟
وللإجابة على هذا السؤال الهام فإنه ينبغي أن نضع في الإعتبار إختلاف طبيعة وحجم التحديات التي إعترت مسيرة الكفاح التحرري عن تلك التي تتخلل عملية بناء وطن مستقل، ويجب أن نعقد تلك المقارنة أثناء التقييم.
إن القوى التي تناويء إستقلالنا وسيادتنا هي نفس القوى التي عارضت إستقلالنا في نهاية الإربعينات من القرن الماضي بحجة تعارض ذلك الإستقلال مع مصالحها الإستراتيجية. وقد دامت مناوئتهم تلك لما يقارب من نصف قرن لننتصر عليهم في النهاية عبر صمود وبطولة منقطعة النظير.
وفي ربع القرن الماضي وبالرغم من أن النظام العالمي يمر بتغيرات ديناميكية نتيجة إنتهاء الحرب الباردة فإن قوى الهيمنة والتسلط التي تمثلها أمريكا تستهدف إعاقتنا عن بناء وطننا المستقل بسلسلة من المواقف العدائية:
فقد أثارت تلك القوى نزاعاً حدودياً مع اليمن لم يحدث أن نشب من قبل إستقلال إرتريا، كما عملت على إستصدراً أحكام جائرة حياله.
كما قامت تلك القوى بإختلاق نزاع لا معنى له حول الحدود وحول “بادمي” وذلك بإستخدام نظام الوياني كأداة. وقد أمعنت تلك القوى في مناوئتها حتى حالت دون تسوية القضية وذلك عبر تعطيل الحكم النهائي الملزم، والدوس السافر على العدالة، والتحريض الآثم على الغزو. ولأن كل هذا الإستهداف لم يسفر عن تركيع الشعب الإرتري فقد فرضت تلك القوى حظراً جائراً علينا.
وتمضي تلك القوى في مسلسلها العدائي لإستبعادنا عن وجودنا ودورنا التاريخي والواقعي في منطقة جنوب البحر الأحمر وباب المندب وذلك بإختلاق نزاع مفتعل لا أساس له في تاريخ إصطناع القوى الإستعمارية لهذه المنطقة بإستخدام الزمرة الحاكمة في جيبوتي هذه المرة وذلك بغية إرتهاننا في نطاق الأزمات الإقليمية.
إن هذه المؤامرات العبثية هي المواقف العدائية التي واكبت مسيرة إستقلالنا وسيادتنا والتي واجهناها. إن المؤامرات الفاشلة والعدائيات العسكرية السافرة التي تستهدف تدمير العملية السياسية للبناء الوطني وكذلك هدم التنمية الإقتصادية والإزدهار الوطني لهي جزء مكمل لتلك القصة.
إن هذا الإستهداف المعادي لإستقلالنا وسيادتنا والذي يجري دون كلل أو ملل لا يقتصر ضرره علينا بل أنه يأتي في إطار ما تعتبره تلك القوى مصالحها الإستراتيجية حيث تتبنى في سبيله سياسة مغامرات في كل أنحاء العالم.
وعندما واجهت سياسة الهيمنة والتسلط مقاومة متزايدة خلال ربع القرن الأخير، فقد إبتدعت مغامرات معربدة تتمثل في إسلوب “حروب الفوضى” أو “الحرب بالفوضى”.
إن الحريق الذي أضرموه في المنطقة بدءاً من أفغانستان بمختلف المبررات والذي لا يزال مشتعلاً، وسفك الدماء والتشرد الذي يعاني منه العراق، والفوضى والتشرذم في الصومال، والفتن والإضطرابات في شمال السودان وجنوبه، والشلل الذي عانت منه مصر طيلة الــ 30 عاماً الماضية والحيلولة دون نهوضها من كبوتها عبر المؤامرات، والدمار والفوضى السائدة في ليبيا، والقلاقل والفراغ في اليمن، وإثارة التوتر في حوض النيل لأهداف خفية، وزيادة الدمار والقلاقل في كل الأنحاء عبر إختلاق تنظيمات إرهابية بمختلف المسميات، وإثارة وإختلاق الفتن الدينية المضللة، والحيلولة بين دول هذه المنطقة وبين الإضطلاع بحل مشاكلها بأنفسها عبر شل المنظمات الإقليمية ودفع الإقليم بأكمله نحو النزاع والفوضى.. كل هذا ليس إلا أجزاء من صورة واحدة لا يجوز النظر إليها بمعزل عن إطارها العام. حيث يدخل في إطار المصالح الإستراتيجية لقوى الهيمنة والتسلط.
إن الأطراف الأخرى التي ترى نفسها قوى إقليمية أو تطمح في أن تكون قوى إقليمية تعتبر الإختلالات والفراغ الناشئ عن حروب الفوضى تلك نعمة ومورداً تستمثره في تعزيز نفوذها الإقليمي. وفي هذا السبيل فإنها تختلق مختلف المبررات لتعقيد الأوضاع. إن المؤامرات المستمرة التي تستهدف إستقلالنا وسيادتنا ينبغي علينا قراءتها ضمن إطار هذه الصورة الكبيرة.
وفي ظل هذه السياسات التسلطية فإن الكفاح الذي خضناه ونخوضه في سبيل صون إستقلالنا وسيادتنا ليس أقل من ذلك الكفاح التحرري الذي خضناه في سبيل إنتزاع إستقلالنا. وفي الوقت الذي نعمل فيه لمواجهة تلك التحديات ونخطو فيه بالتعاون مع كل الأطراف التي تعمل على أمن وإستقرار وتوافق هذا الإقليم، فإن الزمن سيشهد بأننا سننتصر عبر تعزيز تصدينا وصمودنا.
المحترمون والمحترمات
جنباً إلى جنب المواجهة التي خضناها في سبيل صون إستقلالنا وسيادتنا، وخلافاً لأماني مناوئينا في رهن أنفسنا للمؤامرات الخارجية، فإن تنمية وطن دمرته الحرب هو أولويتنا القصوى.
وحيث أن بناء الوطن عبر التنمية ليس فقط وعداً تقتضيه تضحيات شهداءنا بل أيضاً حق مبدئي للمواطنين، فإن البناء الوطني يستهدف تغطية عادلة ومتوازنة، وتمهيد الأرضية للازمة لتحسين المستوى المعيشي للمواطنين، وإرساء البنية التحتية الشاملة والخدمات الضرورية لهم، وتضييق الهوة بين المدن والقرى، وكذلك تضييق الفوارق الإجتماعية والإقتصادية بين المواطنين، أي توفير الغذاء اللازم والمياه النقية الكافية والسكن المناسب وخدمات الكهرباء وتمهيد الطرق وتوفير المواصلات، وخدمات الصحة والمدارس.. على نحو يستثمر فيه المواطنون مواردهم وإمكانياتهم ويدعمون فيه فرصهم ومصادر دخلهم.
إن هذا الإتجاه التنموي ليس منةً وإحساناً من أحد بل هو حق دفع ويدفع الشعب الإرتري في سبيله كل غال ونفيس. وهو حقه وواجبه الناشيء عن الحرية والإستقلال بعيداً عن ممارسة الجشع والإستئثار.
إن إنجاز برنامج تنموي شامل كهذا، وفي وطن محروم من فرص التنمية لنصف قرن من الزمن، وفي ظل بنية تحتية غير متطورة ومنهارة يتطلب وقت وموارد وعملاً دؤوبا. كما يقتضي تخطيطاً واعياً وموضوعياً وصموداً أمام التحديات من أجل التوظيف الأمثل لعوامل الوقت والمراحل والموارد والإمكانيات المتاحة.
وبهذه الروح وضمن هذا التوجه فنحن منخرطون في العمل على صعيد تشييد البنية التحتية كالطرق، الطاقة، المياه، المطارات، الإتصالات والمواصلات. وفي الزراعة فبرامجنا تتجاوز ضمان الإكتفاء الذاتي في الغذاء وتصدير الفائض وتتضمن تطوير البذور والثروة الحيوانية. وفيما يخص الثروة البحرية تهدف برامجنا أساساً لتطوير إمكاناتنا في إستغلال المخزون السمكي كماً ونوعاً. وفي التصنيع تهدف جهودنا للتطوير في كل مجالات الصناعة والمعامل لتلبية متطلبات الإحتياجات المحلية وللتصدير. وتطوير المعامل الحديثة التي تضمن القيمة المضافة لنوعية المنتج. وعلى صعيد الخدمات تهدف برامجنا لتشييد شبكة تسهيلات نوعية تسهم في الإرتقاء بخيراتنا السياحية وبالأنشطة البحرية والجوية على المستويين الإقليمي والعالمي. وفيما يتعلق بالخدمات الإجتماعية نعمل على نشر وتطوير مناهج نوعية للتعليم والصحة والتأهيل بما يمكننا من تعزيز وزيادة مواردنا البشرية المؤهلة. كما سنستمر في العمل على تنمية مواردنا البشرية من الناحية المهنية والتكنولوجية لضمان التنفيذ الفعال للبرامج والمشاريع التي نخططها في كل القطاعات. وجميعها هي من الأولويات التي جهدنا ومازلنا نجهد فيها خلال الـ 24 عاماً المنصرمة. إن كانت تفاصيل الأهداف التي بلغناها في كل قطاع ودرجة ما أنجز منها بالمقارنة مع الاهداف الاستراتيجية التي وضعناها موثقة إلا ان الهوة الموجودة بين الاهداف الإستراتيجية وبين درجة التطور التي بلغناها تبقى كبيرة. ولكي لا أطيل السرد المفصل في هذه المناسبة فسوف أتجاوز تفاصيل أرقام التقييم الموضوعي. وبعيداً عن دعايات العلاقات العامة فإن ذلك لا يعني بأننا لم ننجح في الأهداف التي خططنا لها وإنما هو عبارة عن مؤشر بأن الفارق بين ما نريده وما يمكننا بلوغه وبين ما حققناه اليوم بعد 24 عاماً ليس بالفارق الضئيل. وبما أن تهيئة الأرضية والاوضاع هي الأساس في ضمان وتأكيد عملية التنفيذ وفعاليتها، فإنه ومع الثقة الكاملة لن يكون هناك ما يعيق تنفيذنا لما تطلعنا إليه وخططنا له. وبدءاً من هذا العام فنحن في مرحلة تنقيح تجهيزاتنا لتنفيذ البرامج الكبيرة التي كنا قد أجلناها نتيجة القصور في الوقت والإمكانيات.
في هذه المناسبة، هناك مسألة تتطلب الإنتباه اليها ولا أريد أن أغفل التنويه بها. وهي، بأنه ليست هناك طرق مختصرة وقفزات فورية فيما يخص التنمية والغنى والرخاء. فالرغبة والتطلع ليس بعيب ولكن فأن طبيعة قلة من المسؤولين المضاربين والملوثين التي تشكفت خلال هذا العام والمتمثلة في التهافت لغير المستطاع والتطلع للحصول على غنى ورفاه وهمي بدون جهد ومثابرة تجرف المرء نحو السرقة والمضاربة والفساد وتسير به نحو الهاوية. وعلينا أن نتصدى بيقظة لهذه الأمور. ومن اجل إنجاح البرامج التنموية ينبقي ان نقتدي بافراد الجيش الذين لم يكافأوا بعد ,على تضحياتهم ولازالوا يعملون الى جانب السواد الاعظم من الشعب في حماية الاستقلال والسيادة وتنفيذ البرامج التنموية ,لأن إقتفاء آثرهم والتمسك بالصبر والعمل سيمكننا من تحقيق التنمية بالصمود .
المجد لشهدائنا الذي جسدوا إستقلالنا